الحب وحفرة الإنترنت


 


الكائن الافتراضي، مُموّه، سَريع الغوّص، القفّز، التسلّل، الهَرب، الصدّ والردّ، القفز والغرق، يمتلك زعانف القراءة ومجسّات اسّتِشعار الكلمات، يسبح كل يوم في فضاء الإفتراض، بين الصور، والميديا، بدون أي وجهة محددة، يمارسُ السباحة في قائِمة المنّشورات الهائلة؛ كي يداري سوَّءة الفراغ الذي يبتل به؛ كلما شعر بخيبة أمل يعيشها، سمكة سلمون تستطيع التكيف مع الحياة في المياة النقية، والخالية من الملح، ولن أرفع سقف طموحي؛ الملح موجود في كل مكان ولا شك أننا نقع تحت طائل تجذبات الحامض والحلو، نعيش على بعد مسافة من الحقيقة التي لا نصل إليها ولا نجرؤ على إعلان كفرنا بها كليا؛ لأنها بكل الأحول غائبة -على الأقل- عن أعين المريدين الراغبين أن يخرجوا من الحياة بحسنة الطمأنينة.

العلاقة التي تربطنا بالميديا معقدة جدًا، نحبها لأنها فضاء مفتوح للتواصل، وعالم حر للخروج وكسر المألوف، ولكن الحلو لا يكتمل كما يقال، الحُفرّ التي نراها في شوارع البلدان الفقيرة أو الشوارع الخلفية للبلدان المتطورة تنتقل بفعل الميديا إلى هذا الفضاء الافتراضي، ولا تستغرب، الحفر في كل مكان حتى في فضاء الميديا المغلف بأسيجة الكترونية وحمايات من القرصنة والإختراق، العلاقات البشرية والتقاطعات الإنسانية، حفر يضعها الزمن في طريقك، لا تتعلم القفز أو التجاوز إلا بعد الوقوع بداخلها، وما اسوأ أن تخضع لمجهر البشر أو أن تخوض لعبة غير متكافئة معهم، وأنت بدون معالق تتشبث بها، أو غير قادر على مجاراة تلك القدرة الهائلة على التلون، والتمدد واللزاجة؛ على الأقل حماية لذاتك من الوقوع في براثن اسنان المنشار التي إذا وقعت عليك حزتك إلى نصفين بدون رحمة..

ومهما كانت علاقتك الإجتماعية خارج الفضاء الرقمي مضطربة أو ساكنة، سعيدة أو تعيسة، يبقى لديك مساحة خاصة تستطيع من خلالها ترويض ذاتك على مرونة الفضاء الافتراضي، ذلك لأنك تهرب من أوجاعك كي تبلسم نفسك وتبحث عن أي شيء يمنحك المتعة واللذة والرفقة، ويحلق بك إلى أبعد من خيالك، ولأنك تعتاد خلق الإثارة على الدوام، بكل مستوياتك العليا والدنيا، رغم كل ذلك تظل كائن يسهل ترويضه ويسهل الايقاع به ويسهل اقتياده إلى حفر عميقة أيضًا..

الحب وما ادراك ما الحب، حفرة عميقة، لعبة المغرر بهم، العشاق والفاتنات، كل الحيارى، التائهين في عرصات الليل، والباحثين عن السلوى والسكينة، الغرقى حتى الثمالة في لذة الأرواح، لا تستطيع تجاوز تلك الفتنة وأنت تعيش اضطراب علاقاتك الاجتماعية، وفي الفضاء الافتراضي اشعارات تخلق وخز في روحك كوخز الابر الصينية، علاج لتآوهات روحك، وتغذية لحاجتك الروحية بالإكتمال، المراة وما ادراك ما المرأة، ظهورها، منشوراتها، تعليقاتها، تخلق داخلك الف هاوية لذيذة، وتخلف في روحك ألف غابة محترقة عندما تختفي، المرأة كائن لذيذ روحا وجسدا، شكلا ومضمونا، وكما تراها تراك ، تغمز لها فتغمز لك، تشعر بها، تشعر بك، ذكية إلى درجة الاحتواء، وشقية إلى درجة التعذيب، ولطيفة إلى درجة الذوبان، وأنت أيها الكائن اللطيف لا تقوى على كل ذلك الدلال، تقع في حفرة نصبتها بنفسك، تخوض لعبة الإيقاع بالمرأة وأنت واثق من أنك روميو القادر على كل تلك الفتنة، تظل تحفر الحفرة يمينة ويسارة، تبعث المراسيل والأغاني، تكتب الأشعار والكلمات الجذابة، تطرق الخبايا، والممنوعات، تقدم كل ما تستطيع من اساليب الإغواء وفي الأخير تقع في شر أعمالك، تسقط في حفرة حفرتها بيدك، المرأة أذكى من أن تستسلم بسهولة، تشاهدك وهي تكتم ضحكتها، وتدعك تمارس دور الملاك وهي تعرف بأن الذئب يريد أكل التفاحة، فقط من أجل أن يثبت لنفسه بأنه يحمل بيرق الوسامة والذكاء، وتأكيدًا لغرورة بالقيادة واحقيته بالوقوف على رأس قائمة الأبوة البشرية، الرجل، ذلك الكائن المغرور، الداهية بكل شيء، متسلط بصلافة، الوصي على الدين، الله، المعتقدات، العادات والتقاليد، رب البيت، رب الأسرة، رب العمل، فجأة يسقط بدون أي اشعار مسبق، يتلوى من الجوع، من الفقد، من الحسرة، مخاض عسير، و أشد مخاض الموت الحياة بوجع، بكبت، بانكسار وألم، حينها يفقد ذلك الهرقل كل شعره، وانيابه، وقرونه، ويتحول إلى فأر ذليل في مختبر تجارب، تنمو بقع الدم على جسده، وتتكسر اطرافه التي كان يظن بأنها مخالب نهش، والسبب بسيط هو انه لم يرى الواقع بعين الحقيقة، ولم يقس المسافات جيدا، ولم يقيّم الطرف الآخر بشكل سليم، الحفر الإفتراضية هاوية سحيقة، طوحت برؤوس كثيرة، أشعلت، واحرقت قلوب كثيرة، سقط فيها من سقط، وهزم من هزم، وما زال الطريق طويل، وما تزال تتسع أكثر وأكثر، وتلقف الكثير من المغرورين و المغرر بهم من الطرفين، ولا حل سوى التوقف عن الركض، والتقاط الأنفاس، والنظر بعين الواقع، إلى كل ما يدور حولنا، والبحث عن وسائل نجاة خارج حفرة الأنترنت العميقة..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عبد الرحمن منيف و قصة حب مجوسية

إيجابية النقد و"هوس العمق"

الـ تـ فـ ا صـ يـ ل