عبد الرحمن منيف و قصة حب مجوسية
عبد الرحمن منيف
و"قصة حب مجوسية
يكتب عبد الرحمن منيف النص السهل الممتنع، البسيط المكثف، يمزج بين الكلاسيكية السردية والتجريب، والكتابة الجديدة، في رواية قصة حب مجوسية يحكي باسهاب عن حكاية رومنسية، الحب والعشق والعلاقات المتداخلة، الحب العذري، حب من نوع خاص،حب محرم، حب خارج قوانين الطبيعة، يتحكم بالنص كربان ماهر، ويخطط الرواية بالرومنسية والسخرية، يضع لذة سردية لا تقاوم.
الاستعارة المجاز، اللغة، الوصف، السرد الفكرة وتداخل الاحداث..كل هذه مجرد بيادق يحركها بالاستعارة.
في اللحظة التي يحكي فيه السارد النص يقطع الروي من ثم يخاطبك أنت، نعم أنت أيها القارئ، أنت تعيش مع الرواية، لذلك يقدمها لك أنت لتشارك بالسرد، أنت تضحك عليه وهو يرتطم بشخصياته أو يشعر بجمر الحب أو يتمنى أن تتحول الشمس إلى جمرة، تسخر منه وهو يعلم ذلك، وحينما يفر إلى الحمام لكسر قداحته الجبانة، تتكسر رجولته، وتتشظى كمرآة، تعي حوار النفس، يقدم كل ذلك على سرير وفير من السرد، لقارئ يلهث خلف العلاقات..
في هذا النص يعمد المؤلف إلى السير بخطين متوازيين، خط سردي يحكي النص، وخط تفاعلي يعبر عن المشاعر، وكأنك أمام سارد يخاطبك مباشرة، يحكي لك ما حدث، ثم يتفاعل معك، يحدثك ويستمع لكركراتك، يقبل سخريتك منه، يسرد لك كل تلك الاستعارات، ثم فجأة يتوقف ليخاطب روحك، يثيرك بالحديث عن الغفران، من ثم يشتم لحظات الانكسار، يحاول ايجاد قشرة خفيفة من العزاء والمغفرة، ثم يشتم "الطبيعة" التي خلقت كل شيء وكونت كل شيء إلا الغفران الحر، ويرفض عاطفتك والتعاطف، يعلم أنك سوف تسخر منه ومع ذلك يحدثك كنوع من العزاء لنفسه فقط..
قصة حب مجوسية قصة رجل لديه علاقات نسائية كثيرة، تعرف على سيدة في منتجع، لم يحادثها ولكنه أحبها من النظرة الأولى، ليليان المتزوجة التي ظل يطاردها، يبحث عنها في كل مكان، في وجوه كل حبيباته، ترك النساء من أجل ليليان التي احبها بكل عمق، شعر بانها غيرت خارطة حياته إلى الأبد، سكنت روحه وعندما تسكن الروح تكره الحياة ،تمل التملق الفج ،تنزوي في اقبية الوحدة،لتمارس ابتهالات الشعور، قصة حب خيالية، رومنسية لكنها لم تكن سوى ملحمة وجدانية واقعية في روح كل واحد منا ، رواية مترعة بالاستعارات والمجاز ،سردية عظيمة لكاتب استطاع أن يقدم في بداية أعماله الابداعية نص مكثف..
بعد أن انتهيت من قراءة هذه الرواية، تملكني الحمق، غيرة عمياء، كالتي تلهب صدر زوجة تعبث بها اوهام خيانة زوجها، عليك اللعنة يا منيف، ماذا تركت لنا من استعارات كي نكتبها لحبيباتنا، ماذا يمكن أن يكتب هذا القلب المفطور عن الحب، عن الخيانة، تلك الممتدة من أطراف الوجع إلى بدايات ذبول الروح، كيف أستطيع شتم الحقيقة، وهي التي تحمل الغفران، كيف اتعلم الصفح وأنا مازلت اغرق حتى أخمص قدماي في خطيئة الواقع، بعد كل هذا الحشد من الاستعارات، كل هذه الجمل المركبة، كل هذا التكنيك السردي، وكأنك تمارس وأحدة من ميزانياتك الاقتصادية، تبني مدائن الملح خاصتك في روحي، قرأتها بقلبي وعقلي، التهمتها كحلوى عمانية مرة واحدة، وجبة دسمة من السرد، لم تخني الذاكرة هذه المرة، اتذكر كل ما قيل، النار ،ليليان المنتجع القداحة الكنيسة القس الاقنعة القطارات المدينة انبيلا افيان، اتذكر كل ما دار ميرا أم ميرا،شفة انبيلا السفلى ،لحظات الحب الحر، السرير الصغير الذي في صدر الغرفة، كتبت كل ما يجول في رأسي، لقد توقفت عن خلق استعاراتي بعد قراءة هذه الرواية، اللعنة يجب أن أتوقف كثيرا عن القراءة، لم أعد استطيع صناعة جملة أو مفردة واحدة، لتهبط عليك لعنات سهري، ساعات لهفتي، وأنا اتماوج مع هذا النص، تفكيري العميق بالحياة، بالنساء ، بالاصدقاء، بالعلاقات، بتلك الحبيبة التي ...، لحظات الزعل،كلماتي المحشوة، باللعنة بالشفقة بالجنون بالضياع، بالتية، ليليان خاصتي التي لم استطع ابتكار استعارة واحدة لها، أحببت هذه السردية إلى حد أني كرهتك جعلتني اشتمك باقذع الشتائم، أما لعناتي التي ابتكرتها من أجلك، اطمئن وأنت ترقد هناك في مقبرتك سوف ترافقك إلى الأبد ..
تعليقات
إرسال تعليق