جورج أورويل و"لماذا أكتب"
جورج أورويل و"لماذا أكتب"
ماذا تعرف عن «جورج أورول» غير «مزرعة الحيوان» و«1984»؟! لا اعتقد أن القارئ العربي حاليًا مهتم كثيرًا بقراءة تاريخ وسيرة أي كاتب قبل قراءة أعماله الإبداعية، كتب أو روايات، دائما المعيارية التي يقيس بها القارئ مستوى الكاتب والإختيار هي تلك المعيارية التي يتلقاها من خلال قراءة سابقة لقراء مارسوا الفعل القرائي قبله، وهي نفسها قراءة أعمال الكاتب التي بالغالب تكون مرشحة لكثرة القراءة أو التداول أو الإشتغال العلمي،
للأسف يفقد القارئ معيار مهم وهو أسلوب تتبع النص من خلال تتبع سيرة الكاتب الذاتية وهذه ملاحظة مهمة جدا، وقد لاحظتها عند محاورتي بعض القراء بعد أن تعمدت مناقشتهم عن الكاتب شخصيا بعيدا عن الإبداع مثل اليوت أو تولستوي أو ديكنز أو حتى نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم أو أحمد شوقي وبدر شاكر السياب أو محمود درويش والبردوني والمقالح وغيرهم
حديث عن الكاتب بعيد عن الاصدارات والإنتاج الأدبي،
و قد اكتشفت أن القارئ بمستوياته القرائية المتعددة علمية أو دراسية أو بحثية أو إطلاع لا يمارس البحث عن الخلفية التاريخية للكاتب ولا حتى للنص ولا يهتم بذلك كثيرًا بقدر أهتمامه بقراءة العمل وحسب، إلا إذا كان ذلك في مجال تخصص خاص يلزمه بذلك، وأعتقد أن هذا القصور يعد سببا هاما من الأسباب التي تؤثر على قراء النص قراءة صحيحه، رغم ما أثير حول نظرية رولان بارت « موت المؤلف» ومحاورة النص بمعزل عن المؤلف.
وكي لا نبتعد كثيرا عن موضوع المنشور والذي يتحدث عن كاتب مشهور مثل «جورج أورويل» الذي لمع كروائي مشهور بروايته «مزرعة الحيوان» التي لاقت صدى واسع جدا في فترة من الفترات، عندما أصبحت في بعض البلدان معيارا لامتحان المستوى المتقدم ضمن امتحانات كمبيريدج للمهارة في اللغة الإنجليزية، إلا أن جوروج اورويل كاتب مقال فريد ومميز جدا، إذ يقول الناقد الأمريكي «أرفنج هوي» وهو يصف أورويل «كاتب المقالات الأعظم منذ هزلت وربما منذ د.جونسون ».حقيقة ليس الموضوع هنا تتبع سيرة حياة «جورج اورويل»، ولكن كان لزاما عند الحديث عن أسلوب ابداعي مغاير عند كاتب متعدد الكتابات الدخول من تلك المنطقة.
في كتاب «لماذا أكتب» الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2013م ط1 يجمع لنا المترجم على المدن مجموعة من أهم مقالات جورج أورويل التي اصدرت خلال فترات طويلة والتي توزعت بين مجلات مشهورة ومغمورة وقد جاء في هذا الكتاب حوالي عشرين مقال متنوع حول مواضيع متعددة ادبية وسياسية وقد لفت نظري مقال مهم جدًا عن الشعر نشر في مجلة قديمة وقد تم ترجمته بعنوان «الميكرفون والشعر»، طبعًا يتحدث الكاتب بنقاط متتابعة عن الشعر والراديو، وعن القاء الشعر عبر اثير الاذاعة، وكيف يعد ذلك التأثير شيء حديث؛ له ما له من تأثير في المتلقي، ويتوغل في الحديث عن الشعر، وعن الأسلوب الذي يجعل المتلقي يتعامل مع الشعر بنوع من الرفض، ويرى في المقال أن الشعر عمل نخبوي جدا لهذا يرى عند بث الشعر عن طريق الراديو له شروط إذ يقول :إذا كنت تبث الشعر لناس يعرفون لغتك لكن لا يشاركونك خلفيتك الثقافية، فإنه لا يمكن تجنب قدر معين من التعليق والتفسير .. ايضا يتحدث عن المذياع كوسيلة لترويج الشعر يقول : كنت مندهشا من حقيقة أن إذاعة قصيدة من قبل الشخص الذي كتبها لا يترك أثرا ما فقط على الجمهور- لو وجد أثرا- لكن على الشاعر نفسه أيضا. ويتطور في حديثه عن الشعر والالقاء ليقول: الشعر الغنائي والخطابي فنى تقريبا من الوجود، وعدا عامة الناس تجاه الشعر أصبح أمراً مسلماً به في بلد حيث الجميع يقرا- يقصد بريطانيا- اعتقد أن كتابة اورويل المتحاملة على الشعر لم تكن سوى محاولة شرح الأسلوب الحديث وهو الراديو في اطلاق الشعر كنوع من الحداثة في التعامل مع الشعر فنراه يتحدث في مقطوفة من المقال عن كيف يتأثر المستمع بشكل أفضل عندما يستمع النص بشكل منفرد فهو قادر على ادارة العمليةوالذهاب إلى الشعر بنفسه بعكس الالقاء المباشر للشعر في قاعة فالشاعر يفرض وصايته على المستمع بحكم الحضور في حيز وأحد وهو القاعة، ونراه يقسو على الشعر كثيرا حين يقول : لا يوجد أدنى شك في أن الشعر في حضارتنا هو أكثر الفنون فقدنا للمصداقية، ويقول : كان أرنولد بينت بالكاد يبالغ حين قال: إن كلمة شعر في البلدان الناطقة بالانجليزية ستفرق جمعًا ما أسرع من خرطوم حريق ..
يكتب ارويل المقال ببراعة فائقة جدا فهو يلم بالموضوع ويتحدث عن جميع جوانبه ويفند ذلك الشرح برؤى واقعية حدثت معه أو قرأ عنها.. يتبع
قرأت للكاتب رواية 1984 ...رائعة جدا ورأيت فيلم سينمائي ظهر فيه الكاتب وتأثر بأحداث حدثت في الاتحاد السوفيتي دفعته لكتابة مزرعة الحيوان ...فعلا معرفة الكاتب مهمة لفهم أعماله بشكل أفضل ...لك أطيب تحية
ردحذف