فيلم beanlpole

ما الذي تخلفه الحرب من دمار في روح وجسد المرأة؟.. هذا الفيلم يضع لنا شريحة مصغرة تحت المجهر .. إشاعة مقطعية تبين نتيجة تأثير الحرب في أرواح النساء بعد الحرب ..
وما تسببه الحرب من أضرار نفسية وجسدية للمرأة ..

تولد الحرب من رحم السلام فهل يمكن أن تولد الحياة من رحم الحرب مع أن ما تخلفه الحروب أكثر بكثير من استيعاب الحياة ..
برغم كل هذا عندما يأتي السلام وتخمد نيران الحرب يجب محاولة الحياة مهما كلف ذلك من وجع الذكريات ومن آلآم وندوب طافحة على الجسد ..

فيلم روسي تاريخي درامي .. فتاتان عادتا من الحرب لتبدأ من جديد بعد الحرب  .. دراما هذا الفيلم من السينما الروسية الواقعية عند مشاهدته نرى عملاً درامياً يحاول تسليط الضوء من عدة زوايا على ما تخلفه الحرب على أجساد البشر .. النساء بالتحديد بعد الحرب ..

منذ اللقطة الأولى في هذا الفيلم سوف تعرف بأن المخرج يحاول توضيح شيء.. التصوير الإخراج، الديكور، المحاكاة الواقعية.. كل شيء في هذا العمل سوف يشعرك بأنك في زمن أول خريف بعد الحرب العالمية الثانية في لينينغراد "سابقا" سانت بطرسبرغ "حاليا" في إحدى مستشفيات إعادة التأهيل .. هنا سوف تجد الحياة الحقيقية التي خلفتها الحرب.. يحاول المخرج نقل حياة الممرضة إيا  بينبول والتي كانت مجندة وتم تسريحها من الحرب بعد تعرضها لحادثة ارتجاج لتعود فتعمل في التمريض ..


بطبيعة الحال الممرضات ملائكات الرحمة ولكن
"إيا" هي ملاك الموت الرحيم حياة ممتلئة بالوجع من الجبهة التي كانت حاضرة بتصرفاتها ومرضها النفسي.. إلى ماخلفته فيها طبيعة العمل الجديد في التمريض "المساعدة وقت الحاجة بالموت الرحيم" ..  "إيا" ضحية المساعدة أو ضحية الإسناد كل ذلك شكل شخصيتها المتناقضة المريضة والقوية في نفس الوقت ، الطيبة والمخيفة في نفس الوقت ..

المختلف في فيلم beanlpole  ليست الأحداث فالقصص لم تكن سوى نماذج مصغرة
عن مخلفات الحرب إن كان قصة إيا و صديقتها أو حتى قصة الرجل المعاق ولم تكن قصص كبيرة لكنها مؤثرة كفاية ومعبرة ..

 ما برع به هذا الفلم يتمحور حول ما قاله وشخصه كاتب السيناريو في الحوار وما صوره المخرج بالمعالجة الفنية ، نتحدث عن عمل داخل عمل ، بينما ترى الصورة تتحرك والقصة تتحدث عن واقع وتتحرك بمستوى أفقي تجد النص أيضاً يتحرك بمستوى مواز معبراً عن الكثير جداً من خلال السيناريو الذي يحاكي الإنكسار النفسي وما تخلفه الحرب في نفوس الضحايا الذين خرجوا معاقين نفسيا وكيف يتم دفعهم إلى التجاوز ولو توقفنا عند لقطات حساسة في الفيلم لوجدنا أمور كثير تستحق الحديث عن براعة كاتب السيناريو والاخراج ..

بالنسبة لعنوان الفيلم  beanlpole له عدة دلالات إسمه بينبول وهي بتعريف المترجم ( عصا الإسناد التي تدعم النبات على الوقوف )
جاء العنوان معبر عن دلالات متعددة في الفيلم محقق لها بشكل واضح؛ من حيث أنها تتوافق مع العنوان ..

- إسناد المريض الذي يفقد كل مقومات البقاء في الحياة بمده بالموت الرحيم ..

- إسناد الصديق لصديقه كما ظلت تفعل "إيا" طوال الفيلم لمساعدة صديقتها بانجاب طفل بالنيابة عنها ..

- إسناد الحرب المتمثل بالنساء اللواتي يذهبن في العمليات اللوجستية  "بغايا"  وقود لمساعدة الجيش على إستمرار الحرب ..

- إسناد النفس على البقاء على قيد الحياة رغم كل ما تخلفه الحرب من دمار نفسي..


 تحاول "إيا" الحمل بالنيابة عن صديقتها التي تجبرها أن تعوضها مولود بدل ذلك الذي قضت عليه في نوبه من نوباتها المرضية ، ذلك الطفل الذي هربته مع إيا من الجبهه،  فتحاول أن تجبرها أن تلد لها واحداً آخر عبر دفعها بالحمل من الدكتور الضابط، ولكن الحمل يفشل فالضابط كبير بالعمر وكيف تحمل أساساً من ضابط" دلاله على أن الحياة لا تخلفها البزة العسكرية "..

في منتصف الفيلم عندما تقرار صديقة "إيا" مقايضة الموت بالحياة بتعرية كل عمليات الموت الرحيم الذي أجراها الضابط بمساعدة ممرضته" إيا " لاجباره على أن يهبها طفل عن طريق ممارسة الجنس مع صديقتها واصرارها أنها والضابط يتشابهون بالخسارة مشهد رائع .. تتوجه اليها لتخبره هل تعلم أنني سوف اخلف طفل رغم عقمي وهل تعلم من ولده أنه أنت فيخبرها أنه ليس ملزما على الموافقه كما وافقت صديقتها التي بالاساس قتلت إبنها بالخطأ ، فتخرج ورقة نحتتها نحت طيلة الليل -لأنها لا تعرف الكتابة - بكل العمليات التي قام بها للموت الرحيم مع إيا دلالة على محاولة العودة للحياة بمحاولة أخذ تعويض الالم الحرب  ..

 كل هذه الأدلة تقول أن الحرب مجبرة على تعويضنا عن كل شيء ؛ لأنها سبب كل ما خلفته في أرواحنا .. ولكن كيف ذلك و الحرب لا تخلف الحياة ؛ فالحمل يفشل لأن طريقة ممارسة الجنس لم تكن كما وضحها المخرج؛ وهو يأخذ لقطة من كتاب للوضعية السليمة للمارسة الجنسية أو الوضعية التي بها يكون الحمل مضمون لدرجة كبيره ليقول أن الممارسة الخاطئة فاشلة دائماً ..الحرب طريقة خاطئة لهذا يستحيل أن تخلف الحياة  ..

يستمر الفيلم بالتصاعد في لقطات وحوارات وعلاقات بوضع لقطات حساسة جدا الفستام الأخضر الذي يعبر عن الربيع و البداية الجديدة
مشهد مؤلم جدا عندما تطلب صديقة إيا من الخياطة مجرد تجربة الدوران به فقط  الدوران الذي يشعرها بالفرح بالحياة ..
محاولة إيا رغم مرضها النفسي المساعدة بالموت ليس إرادة أو من دوافع شريرة ولكن رغما عنها عند دخولها في حالة الارتجاج العصبي و  تثبت ذلك بقتلها الطفل الصغير الذي ينهكها بدون قصد وتكرر ذلك مع صديقتها التي تراها أيضا تتألم من فقد صديقتها عبر الاقتراب منها واغلاق فمها لكي تموت مشاهد مشابهه تماما تتكر كلما دخلت إيا بنوبة الإرتجاج  ..







وأحداث كثيرة وحوارات معبرة جداً
كلمة المعاق كليا عندما يقول انه يريد أن يموت كي لا يكون عالة على اولاده فيقول أنا الأب وليسو هم لهذا اريد أن انهي هذا الآن والكثير من الحوارات ..
  أهم لقطة في الفيلم تمثلت في مشهد صديقة "إيا" عندما قامت في إخراج كل ما في جعبة الحرب على طاولة السلام في قصر من تلك القصور التي لا تعرف الحرب عندما يقرر حبيبها ابن الطبقة العليا أن يعرفها على والدته فترفض والدته استقبالهما في فناء المنزل وتقول له خذها الى سيارتك وارحلوا بعيدا ويصمم على ادخالها المنزل


  فتجلسان أمام بعض على الطاولة الطعام لتبدأ حربا من نوع أخرى بين طبقتين .. نزال قوي سألتها عن تاريخها لتندفع كلماتها دفعه واحده تعري نفسها من كل مخلفات الحرب بالصراحو فتقول أنها يجب أن تبدأ من جديد أن تعيش في مكان مختلف لهذا القت بكل وجع الحرب على طاولة الاستقرار والرفاهية اعترفت أنها كانت تعمل في الدعم اللوجستي -بغاء- لمتعة المجندين تزوجت كثيراً واجرت عمليات اجهاض كثيرة حتى فقدت رحمها نهائياً تقول كل النساء كن يذهبن بعد الجنرالات لكن أنا لم أفعل لانني خططت أن اقترب من رئيس قسم اللوجستي كي اظمن الأكل وهأنذا بعد سنتين تم تسريحي بدون جرح جسدي ، ستولد صديقتي لي طفل وساجلبه وأعيش معه هنا في هذا القصر؛  انتصار وأضح على الحرب أكده المخرج في لقطة القطار ببراعة عندما ابتسمت بشكل مختلف هذه المرة  إبتسامة المنتصر ولو حتى بالكلام رغم أنها خسرت حبيبها ولكن مجرد الحديث بصراحة جعلها تخرج كل ما في جعبتها على طاولة السلام  ..



كل الحروب بدون استثناء تقدم ضحايا تقدم رجال ونساء وأطفال على طبقها القذر وكل من هؤلاء يؤدي دوره؛  مجبرا على الحرب بالقوة أو إسنادها بالقوة  أو تأكله الحرب بالقوة أيضاً
مشاهد تتكرر في الحياة كل يوم ..
تحشد النساء لمتعة المقاتلين في كل جبهات الحرب في كل مكان يحشد الأطفال في الجبهات ..يذهب الشباب ولا تعود إلا نفسيات محطمة معاقة تارة و ممتلئة بالجروح والندوب والأمراض النفسية دائما..

لقطات كثيرة ناقشها هذا الفيلم وعبر عنها بالكلام .. تمثيل إيا كان مميز ..وتقمصها لمرض الارتجاج منذ اللقطة الأولى يقول الكثير جدا عن ما تخلفه الحرب في النساء التي يتم استخدامهن في الحرب آلة دعم وأداة قذرة لاستمرار الحرب ..

الحياة لا تولد من رحم الحرب ولكن السلام قد يولد الحياة يوماً ما  .. هذا ما اراد المخرج ايصاله من صوت "إيا" من تعابيرها من طريقة مغامرتها وحمايتها للمرضى بطريقتها ..محاولاتها على المساعدة بكل شيء رغم عدم مقدرتها على فعل شيء- لأنها مدمرة نفسيا- سوى ان تصبح ملاك الرحمة ..
يحاول أن يخبرنا أن تقديم كل شيء في الحرب ليس كل شيء  حتى النجاة هزيمة في الحرب
فيلم عصا الإسناد فيلم يتحدث عن تاريخ الحرب عن جرائم الحرب النفسية التي تخلفها لدى المرأة ..عن مخلفات الحرب لدى المجتمع عن أوجاع الحرب..وهو يشرح لنا كيف ومتى ولماذا يجب أن نعود بعد أن يتوقف القتال .. وماهي الحرب وماذا تفعل من جرائم نفسية في أرواحنا ..

الجنرالات الذين يقودون هذه الحروب اللعينة لا يكفو عن الدمار لذا علينا أن نتذكر ماهي الحرب وأن نعلم جيداً أن الحياة لا تولد من رحم الحرب ابداً وأن علينا الوقوف والعودة ذات يوم مهما كلفنا ذلك من وجع ..

فيلم روسي تاريخي من انتاج 2019
 إخراج Kantemir Balagov

#خالد الضبيبي



تعليقات

  1. كم انت مثقف يا استاذ خالد
    قليله في حقك نسميك المثقف بل المفكر والفيلسوف ،كم نحن بحاجه لأشخاص من مثلك يارجل

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عبد الرحمن منيف و قصة حب مجوسية

إيجابية النقد و"هوس العمق"

الـ تـ فـ ا صـ يـ ل